الأحد، 27 يوليو 2014

الدكتور محسن الفحام يكتب : فى ذكرى وفاته الثانية .. عمر سليمان … الذى لا تعرفه


مضى الايام على وطننا الحبيب ما بين الاٌلام والامال ،ويمر عامين على وفاة / عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق ورئيس جهاز المخابرات الاسبق فى 19/7/2012 وما زال صدى صوته يتردد فى آذاننا عندما اعلن عن تخلى الرئيس / حسنى مبارك عن منصبه فى بيان لم يستغرق دقيقتين ولكنه كان كافياً لوضع نهاية لنظام استمر ثلاثون عاماً بما له وما عليه وبداية مرحلة جديدة من تاريخ نضال هذا الوطن .
كان منذ نشأته مولعاً بدراسة الرياضيات واللغات الاجنبية وكان يجمع شباب العائلة ليشرح لهم ما يصعب عليهم فى هذه المواد وهذا سر اهتمامه بمواصلة الدراسة حتى بعد أن عمل فى المناصب القيادية بالقوات المسلحة حيث حصل على الماجستير فى العلوم السياسية وهو ما ساعدة كثيراً فى المباحثات والمفاوضات والمؤتمرات التى كان يحضرها فى معظم الدول الاوروبية بالاضافة الى الولايات المتحدة الامريكية ، وكان حافظاً للقرأن الكريم عن ظهر قلب ، ودائم التردد على المساجد لاداء معظم الفروض حتى وهو نائباً لرئيس الجمهورية ، واتذكر هنا أن طلب منه أحد أئمة المساجد الذى كان يؤدى فيه صلاة الجمعة ، وكنت معه ، تجديد المسجد عندما لمحه فيه وكان اول مرة يتردد علية فوافق على الفور على ان يكون ذلك بصفتة الشخصية وليست الوظيفية ودون ان يعلن عن ذلك .
كان حرب اليمن عام 1962 اول الحروب التى شارك فيها واستمر هناك ثمانية اشهر ثم شارك فى حرب 1967 وذاق مرارة الهزيمة وشارك فى حرب الاستنزاف وصولاً الى انتصار اكتوبر 1973 .
تلقى الرجل العديد من الصدمات الإنسانية  فى مشوار حياته حيث فقد والدته وشقيقته وشقيقه الذى كان يعتبره بمثابة الأبن والاخ والصديق وذلك على فترات متقاربة وكنت أراه رابط الجاش إلا عند وفاة شقيقه اللواء جمال سليمان وكان يقول عنه انه السند الذى لا يمكن أن اعوضه طوال حياتى حيث كان يكلفة بدراسة احوال اهل المنطقة التى شهدت فترة شبابهما وكان يقوم بتلبيتها دون ان يعلم هؤلاء انه وراء ذلك ، وكان اليتيم احد اهدافه حيث كان يرعى المئات منهم مستخدماً اسماء مختلفه حتى لا ينسب اليه الفضل فى ذلك , واتذكر انه عندما كان يقوم بزياره والدته كان يطلب من سائقه الوقوف بعيدا حتي لا يلفت الانظار , او يحدث ارتباكا بالمنطقه ويتوجه مترجلا اليها مصافحاً كل من يتعرف علية ببشاشة وتواضع واحترام .
بطبيعة الحال فانني لن اخوض في تفاصيل عمله او انجازاته بجهاز المخابرات العامة ولكنني سوف اكتفي بان اشير الي بعض المواقف التي سمعت عنها يوم ما او عايشتها بنفسي معه ، وهنا فاننى اعلم ان البعض قد ينتقد ما سوف اتناوله ويعتقد انها محاوله لتحسين صورته الا انني اجد لزاما علي ان يعلم هؤلاء المغيبون واللذين نجحت ابواق الكذب والخداع من التيارات المختلفه ومعظمها من المتأسلمين اللذين اصابهم الهلع عندما اعلن اعتزامه الترشح للرئاسه وقاموا باصدار قانون للعزل السياسي مفصلا عليه .. وكان رحمه الله يتندر علي ذلك بقوله (القانون مافيهوش زينب ) واقول لهؤلاء ان هذا الرجل كان قائدا مصريا عظيما تاثر بالهزيمه وصمم علي الانتصار وحققه مع ابطال القوات المسلحه عام 1973 ثم حارب من اجلها وقت السلم حروباً اشرس من تلك التي خاضها في الحرب لانه كان يقودها بمفرده في المحافل الدوليه ، تعرض للموت من اجل مصر .. تعرض للاغتيال من اجل مصر .. تعرض للجحود من ذوى النفوس المريضة ، اصابه الحزن والمرض من اجلها الي ان انتقل الي جوار ربه راضيا مرضيا باذن الله .
عندما وافق على الترشح للرئاسة كان ذلك نزولاً على رغبة ملايين المصريين الذين يعرفون القيمة الحقيقية لهذا الرجل ، وهنا اتذكر كيف كان المئات ينتظرونة امام منزله وامام المسجد الذى يصلى به يطالبونة بالترشح ، وبرغم ظروفة الصحية ومحاولات عائلتة الاكتفاء بما قدمه للوطن تقدم لخوض المعركة , وقدم مصلحة بلاده على اى هدف اخر ، حتى لو كان ثمن ذلك هو حياته نفسها ,
قال لى احد قيادات جهاز المخابرات العامة اننا نعلم جيداً حجم الانجازات التى تحققت فى عهد هذا الرجل وكم كنا فخورين بذلك داخلياً وعربياً ودولياً ، وكيف كان يأتى اليه الوزراء من مختلف التخصصات حتى الاقتصادية منها ليستطلعوا رأيه فى العديد من أمور اعمالهم ، وكيف كان يجمع القيادات الفلسطينية فى اسرع وقت لحل المشاكل التى تتعرض لها القضية الفلسطينية وكان الجميع يتقبل قرارته بشأنها ، وكيف كان يستقبل فى الخارج استقبال رؤساء الدول ، وكيف كان يتعامل مع المؤمرات التى تحاك ضد الوطن بكل حزم وحسم . هذا الرجل حقق لوطنه الكثير الا انه كان يأبى ان ينسب ذلك لنفسه وكان يقول لولا هذا الوطن الذى نشأنا فيه وما له من تاريخ وثقل وقوة ما كنا لنحقق ما حققناه ، ولكننا كقيادات لهذا الجهاز لا نستطيع ان نعلن عن تلك الانجازات لكونها تتعلق بالامن القومى المصرى الا اننى على يقين ان التاريخ يوم ما سوف ينصف هذا الرجل الذى ظلم حياً وميتاً.
وهنا اتذكر اخر لقاء جمعنى به قبل سفره الاخير الى ابو ظبى حيث تحدث باستفاضة على غير عادته كانه كان يودعنا … فى هذا اللقاء اعرب عن حزنه لما ألت اليه احوال البلاد والعباد وما تعرض له هو شخصياً من هجوم وتشكيك فى ولاءه للوطن ، وتسائل معى كيف يكون اهتمامه قاصراً على حماية النظام القائم وهو الذى كان من أكثر الرافضين لمبداً التوريث ، وتحدث معى عن طبيعة الشعب المصرى قائلاً بابتسامة صافية ( هذا الشعب ليس له كتالوج ) فهو من اذكى الشعوب واقواها واطيبها عنيف عند غضبه متسامح عند رضائه ، اذا اراد تحقيق هدفاً لا بد ان يصل اليه ، كان  عاشقاً لهذا الشعب وكنت دائماً عندما تحتدم المناقشات فى المفاوضات الامنية او السياسية مع بعض الدول اقول لهم اننى موفد من قبل شعب لا يرحم من يسىء اليه او يظلمه ، ولا ينسى من وقف بجانبه او يدعمه .
تذكر فى هذا اللقاء المشير طنطاوى قائلا انه تحمل الكثير من اجل هذا الوطن خاصة فى مرحلة حكم المجلس العسكرى وما بعدها ، انه رجل مصرى حتى النخاع ، وهو وطنى بأمتياز .
وعن اللواء مراد موافى الذى خلفه فى رئاسة المخابرات قال عنه انه رجل من الجيل الذهبى لهذا الوطن ادى ما عليه بأمانة وتجرد ، وكان اميناً على وطنه حزيناً على ما وصل اليه هذا الوطن .
وعن الرئبس عبد الفتاح السيسى قال عنه انه عندما تولى رئاسة ادارة المخابرات الحربية توقع انه سيكون له شاناً كبيراً فى القوات المسلحة ، فهو يتمتع بثقة المشير طنطاوى الذى لا يعطيها الا لمن يستحقها ، ولديه قبول لدى كل من عمل معه ، وان الدولة فى حاجة لمثل هؤلاء الرجال المخلصين الذين لهم رؤية ثاقبة … الا ان القدر لم يمهل الراحل العظيم ليرى ما تنبأ به لهذا الرجل .
هذا غيض من فيض وفى جعبتنا الكثير ولكننى احترم رغبة العائلة فى ان تبقى سيرته وذكراه على نطاقها فقط ، بيد اننى رأيت ان الواجب يحتم على أن اتذكره واترحم عليه واتذكر مقولته لى ، ان ارضاء البشر غاية لا تدرك ، وأننى بذلت حياتى فداء لهذا الوطن …
…….. فى ذكرى وفاته الثانية اقول : رحمك الله ايها الفارس النبيل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق